منذ فترة وجيزة بدأت بتكوين فكرة -بل و أصبحت أعتقد اعتقادا جازما بها- أن العالم هو عبارة عن عوالم متوازية , تتشابك بطريقة قد تبدو عشوائية و لكنها في الحقيقة محكمة الاتصال و الترتيب .
عالمنا غريب !
أعرف أنها جملة مستهلكة و لكنه الوصف الأكثر دقة .
مشاهداتي اليومية لهذا العالم حركت فيّ فضولا لأحاول أن أبحث و أستوعب ما الذي يحدث من حولي ; فصرت أقرأ هنا و هناك وأحاول أن أجاري هؤلاء الذين يغيرون العالم و يصيغون ملامحه و يسيّرون دفّته إلى الوجهة القادمة, و أقتنص فرص النقاش مع من يعتقدون أنهم جزء من هذه المجموعة ,و بالنتيجة توصلت لتشعبات و اختلافات و مسميات أكثر بكثير مما تحتمله سنواتي الاربع و عشرون : دول نامية , دول ناشئة , عالم ثالث , استدامة , حوار أالأخر , snap-chat, تعليم لامنهجي , تنظيم الدولة , ريادية , start-ups ,أزمة لجوء , philanthropy , "World Arabic Language Day " ….. و أشياء كثيرة أخرى أدخلتني في متاهات أكثر من أن توجهني إلى الإجابات التي كنت أبحث عنها .
بين كل هذا و ذاك , هناك العالم من الذين يعتقدون أنهم متعاطفون ويأبهون بل و يعطون الكثير للفئات "الأقل حظا" حولهم بالمشاركة بفعالية عالمية بمبالغ طائلة على طاولة مليئة بما لذ و طاب وإمضاء ساعات من اتخاذ قرارات تخدم تلك الفئات - على حد قولهم- و الدفاع عن حقهم في التعليم و غيره و الأهم من ذلك إظهار هذا التعاطف على شبكات التواصل الإجتماعي , هم نفسهم الذين ينهرون أطفال الإشارة ممن يبيعون العلكة أو المحارم ممن حرموا هذا الحق في التعليم .
في عالمهم كل فكرة أو حدث أو حرب هي فرصة استثمارية جديدة لمنتج يجب بيعه و تحصيل واردات طائلة منه . ولكن هييي! هذه ليست صدفة ! بل هذا هو ترتيب العوالم .
الأن فلنقلب الصورة , مشهد أصبح جزء لا يتجزء من حياتنا -على الأقل حياتي- اليومية , 3 أو 4 أشقاء ممن لم يتجاوز عمرهم ال 7 أو 9 أعوام يلتصقون بالمارة هنا و هناك و يتوسلون بكل براءة مرددين " احنا لاجئين , منشان الله ساعدينا" قد لا يعرفون ما تعنيه الكلمة "لاجئ" أو حتى ماذا يعني اللجوء , ولكنهم يعيشون زواياها و حذافيرها يوما بيوم . لا أؤمن بصدقة مالية لطفل فبها نسرق منه طفولته و نقتل بشريته و نسلب براءته . هل شاهدتم فرحة أو بريق عيني طفل مددتم له لعبة أو ورقة و ألوان أو "شغلات زاكية" ؟ من كان يعتقد بوجود هكذا جمال في هكذا بؤس !
لكن , مرة أخرى , هل حدث كل ذلك محض صدفة ؟ أم كان عشوائيا ؟ لماذا تهجّر و تشرد شعوب دون أخرى ؟ لماذا تسلب طفولة هؤلاء بينما تدارى طفولة أخرين في الجهة المقابلة من العالم ؟
ثم بين هذا العالم و ذاك , هناك عالم أخر موازِ , ممن لا يشعر بالانتماء لهذا أو ذاك … لمن يتصف بالحيادية فلا هو فعال بهذا و لا هو ينظر إلى ذاك . يعمل 6 أيام بالأسبوع , يبيع و يشتري , يشاهد و يسمع و يقرأ ما تتناقله الوسائط , يأكل و يتزوج و يربي الأولاد ,يبحث عن متعة مع العائلة أو بعض الأصدقاء لوقت محدود قبل أن يشعر بالضيق و الحاجة للعودة إلى البيت لينام . مرة أخرى هذا العالم يساهم بالعالمين السابقين بل قد يكون من مسؤوليته تغييرهما !
بطريقة أو بأخرى كل هذه العوالم و غيرها متوازية , تبدأ و تنتهي عند نفس الخط ! و هي متشابهة و متشابكة بعمق فوجود أحدها يعتمد على وجود الآخر و استمراريته , قاطنو كل من هذه العوالم قد يعلمون بوجود قاطني العالم الآخر , قد لا تُخيّل لهم معالم سكان العالم الآخر و كيف هي حياتهم اليومية , لماذا يغضبون , على ماذا يضحكون , كيف يحزنون , كيف يشعرون باختلاف الفصول ....
لكنهم يجزمون أنهم بعيدون كل البعد عنهم و آخر ما قد يخطر لهم أنه قد تُقلب موازين هذه العوالم و أنه من الممكن أن يُسيّروا إلى أحد هذه العوالم التي يستحيلون وصولها , حتى هذه الفكرة رغم عشوائيتها فهي ليست حقا عشوائية !
أتساءل أحيانا بأي عالم من هذه العوالم أنا ؟ أو إذ كان هناك برزخ بينها يسكنه من لا يشعر بالانتماء لأي منها؟ ألم يشارك كل منا بصنع هذه العوالم ؟ أليست مسؤولية شخصية على كل منا أن نذكّر كل عالم بما يجمعه مع العوالم الأخرى ؟ ألا و هو بشريّتنا ؟ كيف ينام قاطنو كل من هذه العوالم ؟ بماذا يفكرون قبل النوم ؟ ….. إنها متاهة تستحق أن نمشي بها لو أخذت منا ألف عام !
ما أرجوه حقا - قد يدل على أنانيتي البشرية- هو أن لا أموت و أنا محملة بذنب و عار " ماتت و هي لم تحاول " !
ماتت و هي لم تنظر حولها لترى أن دائما هناك جانب أخر لهذا العالم !
![]() |
| *"و أعطي نصف عمري للذي يجعل طفلا باكيا يضحك " |
*وجدت هذه الصورة على موقع earth heal , و كانت ملهمتي لهذه التدوينة .
